.. السلام عليكم ورحمة الله وبركآته ..
أحبتي ،،،
إن لتدبر آيات الله عزوجل لذة عظمى وقد قرأت كتاب رائع يحمل بين دفتيه مواضيع رائعة ،، وهو كتاب _ الله أهل الثناء والمجد _ للدكتور ناصر الزهراني ،،
و ُقمت باختيار _ تأملات في آية النور _ وأسأل الكريم عزوجل أن يذيق قلوبنا لذة تدبر آيات القرآن الكريم ،،
لن ُاطيل المقدمة و سأشرع في الحديث عن هذه التأملات ،،
{ الله نُورُ السَّمَوَات وَاَلأرْض} ( النور : 35 )
النور الذي منه قوامها ونظامها ، نور الله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض ، النور الذي لا ندرك كنهه ولا مداه ، فهو نور ، وحجابه نور ، وبهذا النور استنار العرش والكرسي والشمس والقمر ، وبه استنارت الجنة ، وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله جل وعلا ، فكتابه نور وشرعه نور والإيمان به نور فلولا نوره تعإلى لتراكمت الظلمات ، وكل محل يفقد نور الله تعإلى فهو الظلمة الحالكة ، فكل نور حسي أو معنوي الله خالقه والله واهبه والله الهادي إليه : { وَمَنَ لَّم يَجْعَل اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ من نُّور}
{ مَثَلُ نُورِه } ( النور : 35 ) أي صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة كمشكاة ، فمثل نوره الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين كمثل المشكاة ، والضمير{ في نُورِه } فيه قولان :
الأول : أنه عائد إلى الله عزوجل ، أي مثل هداه في قلب المؤمن { كَمِشْكَاةٍ } .
الثاني : أن الضمير عائد إلى المؤمن ، أي مَثَلُ نور المؤمن الذي في قلبه { كَمِشْكَاةٍ } فشبّه قلب المؤمن وماهو مفطور عليه من الهدى ومايتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه بالمشكاة .
{ كَمِشْكَاةٍ } المشكاة هي : الكوة الصغيرة في الجدار غير النافذة ، لأنها تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ، يوضع فيها المصباح فتحصر نوره وتجمعه فيبدو قويًا متألقًا .
{ فِيهَا مِصْبَاحٌ } المصباح هو: السراج الضخم الثاقب .
{ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } أي هذا المصباح المضيء الوهّاج في زجاجة صافية بحيث تقيه الريح وتصفّي نوره فيتألق ويزداد ، فالمصباح نظير النور والقرآن والإيمان ، والزجاجة نظير قلب المؤمن .
{ الزُّجَاجَةُ كَأنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي أنها مضيئة إضاءة الدر ، والكوكب الدري هو المضيء المشرق ، كأنه دُرّة بيضاء صافية ، والدراري من الكواكب هي : المشاهير كالمشتري والزهرة والمريخ وغيرها .
{ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } يوقد ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدرّية من شجرة مباركة زيتونة ، أي يوقد من زيت الزيتون الذي نوره أقوى ما يكون ، فزيت الزيتون أصفى نور يعرفه المخاطبون في ذلك الوقت .
{ مُّبَارَكَةٍ } كثيرة المنافع ، كثيرة البركة ، ومن بركات هذه الشجرة أن ثمرتها إدام ودهان ودباغ ووقود وعلاج ، وليس فيها شيء إلا وفيه منفعة زيتها وخشبها وورقها وثمرها ، وهي مباركة أيضًا لأنها تنبت في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين ، وهي أرض الشام أرض الأنبياء عليهم السلام .
{ لاَّشَرْقِيَّةٍ ولاَ غَرْبِيَّةٍ } أي أن هذه الشجرة في مكان مستوٍ من الأرض فسيح بارز ظاهر متعرض للشمس ، تطلع عليها وقت شروقها ووقت غروبها ، وتسطع عليها بضيائها من أول النهار إلى آخره ، وذلك أصفى لزيتها وألطف وأجود ، فهي ليست من الشجر الذي لاتطلع عليه الشمس إلا في وقت شروقها أو في وقت غروبها فقط ، بل تصيبها بالغداة والعشي جميعًا ، فهي شرقية وغربية ، وهكذا زيتون الشام ، وكذلك يكون زيتها لصفائه يكاد يضيء من غير نار .
{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } فهو من الجودة ومن الشفافية بذاته ومن الإشراق بذاته ، حتى يكاد يضيء بغير احتراق ، يقول ابن عباس - رضي الله عنهما _ ( كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءاً على ضوئه ، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ، ونوراً على نور ) .
{ نُّورٌ عَلَى نُورٍ } أي هذا النور الذي شبه الله به النور اإلهي والحق المبين ، نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت ، حتى لم تبق بقية مما يقوي النور ويزيده إشراقًا ويمده بالإضاءة ، وذلك أن المصباح إذا كان في مكان متضايق محصور كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فإن الضوء ينبث فيه وينتشر ويتسع فيضعف النور .
{ يَهْدِي اللهُ لِنُورِه مَن يَشَاءُ } فالله تعالى يهدي لهذا النور الثاقب الوضاء المشرق ، يهدي له من يشاء من عباده ممن يعلم زكاءه وطهارته ، ويرشد لهدايته من يختار ومن أصاب من ذلك النور فقد اهتدى ، ومن فاته فقد ضل .
{ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلّ ِ شَيءٍ عَلِيمٌ } هذا المثل الذي ضربه الله لنوره وسيلة لتقريب المدارك ، فهو يقرب غير المحدود في صورة المحدود ، ويرسم النموذج المصغر الذي يتأمله الحس حين يقصر عن تملّي الأصل وتمثله ، فهو مثل يقرّب للعقول البشرية الضعيفة طبيعة النور الذي يعجز البشر عن تتبع مداه وآفاقه المتراميه ، فهو تعالى يضرب الأمثال للناس ليعقلوا عنه ويفهموا ، لطفًا منه بهم ، وإحساناً منه إليهم ليتضح لهم الحق من الباطل ، لأن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة .
فخلاصة هذه الآية أن الله جل وعلا شبه نوره الذي بثه في السماوات والأرض وأودعه في قلب المؤمن ، شبهه بنور مشكاة في مصباح ، والمصباح في زجاجة وهذه الزجاجة كأنها كوكب دُرّي يوقد من زيت شجرة مباركة زيتونة بارزة للشمس تطلع عليها في كل آن مما جعل هذا النور أخّاذاً مشرقاً ، فصلُح أن يكون مثلاً تقريبياً لنور الله جل وعلا .
{ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فهو العليم الذي أحاط علمه بالكائنات ، وإن ضربه للأمثال ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها وأنها مصلحة للعباد ، أما العباد فليس لهم من العلم بحقائق الأمور إلا ما علمهم ربهم ومهما عملوا فما أوتوا من العلم إلا قليلاً .
_________توقيع________
يا رب لا تدعني أصاب بالغرور اذا نجحت و لا أصاب باليأس اذا فشلت بل دكرني دائما بأن الفشل هو التجربة التي تسبق النجاح
""""الاجتهاد مركب يحمل الى النجاح""""