463هـ - 1071م
كانت تجتمع منذ منتصف القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) في الأفق أعراض الفتنة العالمية الكبرى التي أخذت عناصرها تتجمع ببطيء ثم تسفر بين آن وآخر عن صدام مضطرم بين الشرق والغرب , وبين الإسلام والنصرانية ففي الغرب قد انهارت الدولة الأموية في الأندلس وقامت مكانها دويلات ضعيفة يصارع بعضها بعضا وفي الشرق كانت الدولة العباسية قد فقدت منذ زمن بعيد مركزها القديم كدولة الإسلام الكبرى وبدأت الدولة الفاطمية تنحدر إلى غمار الضعف .
وعلى الطرف الآخر كانت أوروبا النصرانية تتمخض عن مشروعها الضخم لغزو الشرق الإسلامي ، وكانت الدولة البيزنطية ما تزال تعتبر حصن أوروبا النصرانية من الشرق ، ولكن الدولة البيزنطية بدأت تواجه في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي ، أخطار فورة إسلامية جديدة هي فورة السلاجقة الذي كان لظهورهم على مسرح الأحداث في المشرق الإسلامي أثرا كبيرا في تغيير الأوضاع السياسية .
وقد أسس السلاجقة دولة تركية كبرى لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى،
وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد ونصروا مذهبها السني بعد أن أوشكت على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق والنفوذ العبيدي ( الفاطمي ) في مصر والشام فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تماما وتصدوا للخلافة العبيدية ( الفاطمية ) .
أستطاع الزعيم السلجوقي " طغرل بك " أن يسقط الدولة البويهية في عام 447هـ في بغداد وان يقضي على الفتن وأزال من على أبواب المساجد سب الصحابة ، وقتل كبير الروافض أبي عبد الله الجلاب لغلوه في الرفض .
وتوطيدا للروابط بين الخليفة العباسي " القائم بأمر الله " والزعيم السلوجوقي " طغرل بك " فان الخليفة تزوج من ابنه الأخ الأكبر لـ " طغرل بك " وتزوج " طغرل بك " من ابنه الخليفة العباسي في عام 1062 ك – 454 هـ ، لكنه لم يعش طويلا حتى توفي في رمضان 455 هـ - 1062 م
تولي بعده ابن أخيه " ألب ارسلان " ومعناه الأسد الباسل وكان فتى في الثلاثين من عمره وبدا بتثبيت أركان حكمه - وكان قائدا ماهرا مقداما وكان متلهفا للجهاد في سبيل الله ونشر الدعوة الإسلامية في داخل بلاد الدولة النصرانية المجاورة له ، كبلاد الأرمن وبلاد الروم ، وأصبح قائد السلاجقة زعيما للجهاد ، وحريصا على نصرة الإسلام ونشرة في تلك الديار ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية .
بعد أن اطمئن " الب أرسلان " على جبهته الداخلية بدا في الفتوحات الخارجية فكان يأمل في توحيد المسلمين تحت الخلافة العباسية و إسقاط الدولة الفاطمية وفتح البلاد النصرانية المجاورة له فغزا بلاد الأرمن وجورجيا ففتحها وضمها إلى مملكته و غزا الشام فأغار على حلب واجبر أميرها على الدعوة لخليفة العباسي وإسقاط دعوة الخليفة الفاطمي و أ رسل جيشه إلى جنوب الشام فانتزع الرملة والقدس من الفاطميين وفي عام 462 هـ أرسل صاحب مكة إلى " الب ارسلان " يخبره بإسقاط الدعاء للفاطميين وأقامه الدعاء للخليفة العباسي وترك الآذان بحي على العمل .
هذا النشاط وهذا الفوران الإسلامي لم يكن على هوى إمبراطور الروم " دومانوس ديجينس " الذي صمم على القيام بحركة دفاعية ضد السلاجقة ودخلت قواته في معراك عديدة مع السلاجقة أهمها معركةملاذكرد في أواخر ذي القعدة 463هـ الموافق 26 أغسطس 1070 م
وجهز "دومانوس " جيشا ضخما لملاقة السلاجقة بلغ زهاء مائة ألف أو مائتي ألف وهي أعظم قوة جردتها دولة الروم الشرقية على الإسلام ، واخترق دومانوس قلب الأناضول ودخل أرمينية وسار حتى وصل إلى ملاذكرد وهي بلدة حصينة تقع على فرع نهر مرادسو بين مدينتي إرضروم ووان وما زالت تقوم إلى عصرنا ، وضرب رومانوس حولها . وكان مسير " الب ارسلان " سريعا جارفاً. والتقت طلائع السلاجقة بطلائع الروم فهزم الروم واسر قائدهم بازيلكوس وأبدى السلاجقة بهذه الضربة الأولى تفوقهم في النظام والسرعة والجرأة. وبالرغم من ذلك فكان الروم واثقون من النصر أما " الب ارسلان " فكان يخشى من عدد الروم فأرسل إلى دومانوس يعرض الهدنة ولكنه رفض، واختار " الب ارسلان " يوم الجمعة ليكون يوم النزال فصلى بجنده ظهرا وبكى خشوعا وتأثرا وبكى الناس معه ، ثم امتطى فرسه ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت ، وأعلن انه إن هزم فان ساحة الحرب تغدو قبره . ثم زحف نحو الروم، واستمر القتال حتى مغرب الشمس ولما رأى دومانوس ما أصاب جيشه من الإعياء والتعب حاول الارتداد ليستأنف القتال في اليوم التالي ولكن فرسان المسلمين انقضوا على الروم وأحدثوا ثغرة نفذوا منها إلى قلب الروم وأمطروهم وابلا من السهام المميتة، وانقضوا على الروم من كل ناحية وحصدوهم حصدا
قال الإمام الحافظ أبى الفداء ابن كثير الدمشقي القرشي في البداية والنهاية " وفيها اقبل إمبراطور الروم في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، ومعه خمسة وثلاثون ألفا من البطارقة مع كل بطريق مائتا ألف فارس ، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفا ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفا ومعه مائة ألف نقاب وحفار ( من ينقب ومن يحفر ) ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله ، وفد التقى السلطان ألب ارسلان في جيشه وهو قريب من عشرين ألف وخاف السلطان من كثرة جند الروم فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بان يكون وقت الواقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما كان ذلك الوقت وتواجه الفئتان ، نزل السلطان على فرسه وسجد لله عز وجل ، مرغ وجه في التراب ودعا الله واستنصره ، فانزل تصره على المسلمين وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، واسر ملكهم دومانوس ، فلما وقف بين يدي السلطان " الب ارسلان "ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو كنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل : قال : كل قبيح ، قال " فما ظنك بي ؟ فقال : إما أن تقتل وتشهرني في بلادك ، وإما أن تعفو وتأخذ والفداء وتعيدني . قال ما عزمت إلا الفداء. فافتدى منه بإلف ألف دينار وخمسمائة آلف دينار . فقال بين يدي الملك وسقاه شربه من الماء وقبل الأرض بين يديه ، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالا وإكراما ، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها ، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعة فرسخا ، وأرسل معه جيشا يحفظونه إلى بلاده ، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ………….." .
وكانت هزيمة ملاذكرد افدح خطب نزل بالدولة الرومانية الشرقية منذ أحقاب طويلة ، وكان لها اكبر الأثر في تحطيم منعتها والقضاء تدريجيا عليها على يد الدولة العثمانية .
--------------------------------------------------------------------------------
و شكرا