تدفق دم الليبيين غزيرا في الساحات والشوارع برصاص حي أطلقه المرتزقة والقتلة لمنعهم من المطالبة بحقوقهم .. هل كان لابد من كل هذه الدماء العزيزة لكي يقتنع الحكام أنهم ليسوا مخلدين وأن الشعوب ليست ملك يمين لهم ولعائلاتهم؟
*
قبل أشهر قليلة لو قدر لأحد أن يفكر بحدوث ثورة شعبية في ليبيا لاعتقد أن ذلك من باب الهواجس وأضغاث الأحلام ...كيف لا وقد حاول الزعيم أن يصنع شعبا خاصا له من اللجان الثورية تردد "آيات" الكتاب الأخضر وتغير كل شيء في المكوّن الثقافي للشعب بما ينسجم مع رغبات الزعيم، فالأشهر لها أسماء غير ما تعارف عليه البشر، وللشعب تقويم غير ما توارثه الناس، والقضايا لها حلول بطريقة لا تتفق مع منطق يعرفه خلق الله ..كل شيء جديد جدة كاملة في محاولة دؤوبة لإيجاد شعب آخر غير الشعب الليبي .
*
وانتشرت اللجان الثورية في الشوارع والمؤسسات في حالة من الفوضى المجنونة ضاعت معها كل معالم البلد وقيمه وإمكانية أن يقوم بأي فعل له قيمة حضارية.. ولم يبق سوى النفط تشرف عليه شركات أمريكية وبريطانية تدر الأموال الوفيرة التي يمارس النظام بها شهوته وسطوته على عباد الله الفقراء في اإفريقيا لينصبوا الزعيم ملكا لملوك إفريقيا..فيما كان على أحرار ليبيا السكوت قهرا أو الهجرة إلى بلاد الله أو الإلقاء في السجن أو الحرمان من المعيشة الكريمة، وبجانب هذا كله وبأداة اللجان الثورية تم تدمير كل قطاعات الحياة من تعليم وصحة واقتصاد.
*
وفي ليبيا لم يبق شيء من تعددية سياسية لأن "كل من تحزب خان" ولم يبق شيء من حرية صحافة لأن "ذلك دعايات امبريالية وصهيونية" .. في مواجهة هذا الواقع كيف يمكن للشعب أن يثور؟ كيف يمكن أن يجد الليبيون سبيلهم للتعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم وأولها على الإطلاق حقهم في تنصيب الحاكم والمنهج الذي به يحكمون.؟
*
إن التفكير بثورة شعبية في ليبيا لم يكن ليخطر على بال عاقل.. وكان التفكير كله يدور حول الانقلابات العسكرية في احتمال تغيير النظام ولكن بعد أن تم تهميش المؤسسة العسكرية الليبية وتشتيتها وتجميد أركانها أصبح أمر التغيير في غير الوارد والمتاح.. ولعل هذا جميعه هو ما دفع الكثيرين للتأكيد على أن ليبيا ليست هي مصر أو تونس.
*
من هنا فإن شعب ليبيا يستحق أن يقال عنه إنه صنع المعجزة بقدرته على الخروج في الشارع عبر كل المدن الليبية، متحديا الرصاص الحي. أجل لقد غلب الدم السيف وانتصرت الإرادة على الخوف.